فايز غازي Fayez Ghazi 's Reviews > اللاز

"في الحياة نوعان من الناس، نوع يعرق مثلك ومثل كل العمال ونوع يستفيد من هذا العرق"

"اللاز" للطاهر وطّار، رواية عن المسكوت عنه، عن تلك الأحداث التي يتغاضى عنها التاريخ لاحقًا في سبيل سرديات وطنية ناصعة البياض! ليس في الجزائر وحدها بل في كل الأمكنة. "اللاز" صرخة في أذن كل الأجيال اللاحقة عن الأخطاء او الخطايا التي تحصل خلال الثورات (كل الثورات)، بمفعول رجعي يهدف لعدم النسيان والتصالح مع تلك الفترة في مرحلة لاحقة. "اللاز" انتصار للدماء الحمراء التي سفكتها بعض الأجنحة الرجعية والمتطرفة في حركة التحرير لا لخيانة وطن ولا لخيانة قضية بل لإختلافات عقائدية وإيديولوجية!

الرواية واقعية، سياسية ورمزية: فواقعيتها يمكن لمسها في المكان السردي، الأحداث الحقيقية (الثورة، تهريب الجنود، فظائع الاحتلال الفرنسي، الفقر والجهل،...) وسياسية في تلك المونولوجات الرائعة لشخصية "زيدان" القيادية، ورمزية من خلال شخصية "اللاز" نفسه والذي قد يكون رمزًا للشعب الجزائري الذي كان يبحث عن نفسه وهويته والشعب الذي انضم للثورة بالفطرة (اي دون مرجعية ايديولوجية) والشعب الذي عانى ما عاناه بعد انتصار الثورة وبدء تربّع "آلهة السكر والحديد والنفط" على الكراسي العليا!

قوة الرواية في بناء الشخصيات، فالطاهر اجاد بذلك حقًا، اللاز وزيدان وقدور وحمّو وبعطوش والشيخ... اعطى لكل شخصية حيزها الواضح وعمقها او سطحيتها المفترضة وترك لها حرية التحوّل والنمو او الثبات واستفاد من هذا التحوّل-الثبات لإيصال رسائله: فتحوّل بعطوش الى سي بعطوش له رمزيته الهائلة وثبات حمو وانتظاره لواسطة من سي بعطوش بعد الثورة له رمزيته أيضًا. وبذلك يكون المثل الجزائري "ما يبقى في الوادي غير حجاره" قد أخذ معنى بعيد عن التجذّر والانتماء الى معنى أقرب لنوعية من بقي في الوادي!

يعيب النص، برأيي، المباشرة في قصة زيدان، كان يمكن ان تكون أقل فجاجة وأكثر أدبية (بالنهاية نحن امام رواية لا مقال او تأريخ)، كان يمكن الإكتفاء بالرمز (الأحمر) وكان يمكن التعبير عن الذبح بالإيحاء لا بالتصريح، ولو انني أفهم ان التصريح والفجاجة كانا مقصودين تمامًا.

رواية ممتعة، صادمة، واذا كانت الرواية تبدأ حيث ينتهي التأريخ فإن هذه الرواية تبدأ حيث سكت او تغافل التاريخ، ولا شكّ بأننا سنبقى نردد مع اللاز طويلًا "ما يبقى في الوادي غير حجاره"